من الآيات التي تستوقفني طويلاً ، وتستوقف الكثير غيري ، قول الباري
جل في علاه في سورة الأعراف : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف : 199] ، آيةٌ عظيمة من كتاب الله جمعت مكارم الأخلاق ، فعند البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في
قوله : (( خذ العفو وأمر بالعرف )) قال : " ما أنزل الله هذه الآية إلا في
أخلاق الناس "
ويقول في تفسيرها العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله :
" هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس ، وما ينبغي في معاملتهم
فالذي ينبغي أن يعامل به الناس أن يأخذ العفو أي : ما سمحت به أنفسهم وما سهل عليهم من الأعمال
والأخلاق فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم بل يشكر من كل أحد ما قابله به من قول
وفعل جميل أو ما هو دون ذلك ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم ولا يتكبر على
الصغير لصغره ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له
صدورهم .
(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي : بكل قول حسن وفعل جميل ، وخلق
كامل للقريب والبعيد فاجعل ما يأتي إلى الناس منك إما تعليم علم أو حث على خير من
صلة رحم أو بر الوالدين أو إصلاح بين الناس أو نصيحة نافعه أو رأي مصيب أو معاونة
على بر وتقوى أو زجر عن قبيح أو إرشاد إلى تحصيل مصلحه دينية أو دنيوية .
ولما كان لا بد من أذية الجاهل أمر الله تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض
عنه وعدم مقابلته بجهله فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه ومن حرمك لا تحرمه ومن
قطعك فصله ومن ظلمك فاعدل فيه ."
انتهى تفسير الشيخ رحمه الله لهذه الآية الكريمة التي ينبغي أن نجعلها
أساساً ومرجعاً لتعاملنا مع الناس فأكثر ما يُدخل الجنة كما في الحديث الشريف تقوى
الله وحسن الخلق .
واختم حديثي بوقفه مع الأديب العقاد في معرض حديثه في أحد كتبه عن طرق
التعامل مع الناس إذ يقول : ( لا تقنط من طيبة الناس كل القنوط .. ولا تعول
عليها كل التعويل بل أحسن الظن بالناس كأنهم كلهم خير واعتمد على نفسك كأنه لا خير
في الناس ) ..
وفقنا الله وإياكم لطاعته ورزقكم فوق ما تأملون وأعلى مما تطلبون
وجعلنا وإياكم مباركين أينما كنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق