الخميس، 13 فبراير 2014

الصداقة والمرجان ..


 

 

"لا تحسن الظن بي كي لا أخذلك ،ولا تسئ الظن بي  فتظلمني ، لكن اجعلني بدون ظنون، كي اكون كما أنا  !"

عبارة رائعة يجب أن تضم إلى فقرات دستور الصداقة ، فأغلب الأصدقاء تحدث بينهم مواقف ومشاكل وسببها سوء الظن ، أو إحسانه حد الغباء .. !

صديقك بشر ، يخطئ ويصيب ، يمر بحالات لا يستطيع الإفصاح عما بداخله سواء لك أو لغيرك ، وأيضاً يمر بحالات تظن أنه لا يوجد على الأرض صديقاً أفضل منه ،  لم يخلق منزها عن كل عيب ، ولا يوجد شخص كامل حتى أنت نفسك ، فارفق به وألتمس له سبعين عذراً كلما حصل منه ما يشوب علاقتكما النقية ..!

كذلك الأمر ينطبق على من لك تعامل مباشر معهم ، واحتكاك كبير بهم ، وفي نظري أن ما يؤدي إلى سوء الظن أو إحسانه تخيلنا وتوهمنا أن أصدقاءنا ما هم إلا نسخاً مكررة مِنًّا ! !

في هذا الصدد وصلتني هذا الأسبوع رسالة تدور في فلك هذا الأمر ، تقول القصة :

"أنه كان فيما مضى شابٌ ثري ثراءاً عظيماً ، والده يعمل بتجارة الجواهر والأحجار الكريمة ، وكان الشاب يُغدق على أصدقائه أيما إغداق وهم بدورهم يجلونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له ..

مرت الأيام ، وتغيرت الأحوال ، فيموت والد ذلك الشاب وتفتقر الأسرة افتقاراً شديداً !

فَقَلَبَ الشابُ أيام رخائه ليبحث عن أصدقاء الماضي ، فتذكر صديقا منهم كان أعزهم وأقربهم إليه مودة ، وعلم حينها أن ذلك الصديق قد أصبح من الأثرياء ! فتوجه إليه آملا أن يجد عنده عملاً أو سبيلا لإصلاح الأحوال ، قابله حرس القصر وأخبرهم بعلاقته الوطيدة مع صاحب القصر وصداقة المتينة ، فأخبروا صديقة بذلك فنظر إليه من خلف الستار ، فرأى شخصاً رث الثياب عليه آثار الفقر والفاقة ، فقال للحرس :قولوا له أن صاحب القصر لا يمكنه استقبال أحداً الآن !

فخرج الرجل والدهشة تعلوه من تصرف صديقه ، متألماً على الصداقة كيف ماتت وعلى القيم  الكريمة كيف نُسيت ؟

عاد الرجل من حيث أتى ، لا يدري ماذا يفعل ولا أين يتوجه ، وبينما هو في الطريق إذا به يقابل ثلاثةً من الرجال عليهم أثر الحيرة وكأنهم يبحثون عن شيء فقال لهم : ما أمرُ القوم ؟

فرد متحدثهم قائلاً : نحن نبحث على رجلٍ يقال له فلان ابن فلان وذكروا اسم والده ! فرد الشاب : هذا الرجل أبي وقد توفي قبل فترة !

فاسترجع الرجال ، وتأسفوا ، وذكروا والده بخير ، وقالوا له إن والدك كان يعمل في تجارة المجوهرات والأحجار الكريمة ، وله عندنا قطعٌ نفيسةٌ من المرجان كان قد تركها عندنا أمانةً ونحن بدورنا اليوم نعيد الأمانة لك !

فأخرجوا كيساً مملوءاً مرجاناً وسلموه للشاب ومضوا في طريقهم !!

تسمر الشاب في مكانه والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع ..

فكر الشاب طويلاً  في كيفية بيع هذا المرجان ، لكنه صدم بالنتيجة فبلدته ليس فيها من يملك ثمن قطعة واحدة منها فكيف بكيس !!

وبعد برهة صادف امرأة كبيرة السن عليها آثار الثراء ، فقالت له : أين أجد مجوهرات للبيع في بلدتكم ؟ فاندهش الشاب من سؤالها وبادرها قائلا : أي نوعٍ من المجوهرات تريدين ؟ فقالت : أي أحجار كريمة رائعة الشكل ومهما كان ثمنها ..

فسألها : إن كان يعجبها المرجان ؟ فقالت : نِعم الطلب ..

فأخرج لها بضع قطع من الكيس  فابتاعتها ووعدته بالعودة لتشتري المزيد .. وهكذا عادت تجارته تنشط يوما بعد يوم حتى عاد كما كان أو أفضل ..

وذات يوم تذكر صديقه صاحب القصر ، وتذكر ما فعله معه ، فكتب له في رسالة بيتين وبعث بها صديقاً لهما ليسلمها له يقول فيها :

صحِبتُ قوماٌ لئاماً لا وفــاء لهم     يُدعَون بين الورى بالمكرِ والحيلِ

كانوا يجلونني مذ كنتُ رب غنى    وحين أفلستُ عدُوني من الـجـهـلِ

فلما قرأ ذلك الصديق هذين البيتين ، أخرج ورقة وكتب عليها ثلاثة أبيات رداً على صديقة جاء فيها :

أما الثلاثةُ قد وافوك من قِـبَـلي     ولـم تـكـن سـببـا إلا من الحيلِ

أما من ابتاعت المرجان والدتي    وأنت أنت أخي بل منتهى أملي

وما طردناك من بخلٍ ومن قللٍ      لكن عليك خشينا وقفة الخجلِ "

ختاماً ..

ما أجمل أن تحضى بصديق يفعل ما يسعدك دون أن يفصح عن نفسه ولا يبتغي مقابلاً سوى سعادتك ..

جعلنا الله وإياكم لأصدقائنا ذلك الصديق الوفي الكريم الذي يضرب به المثل وجعلهم لنا بأضعاف ذلك ..

ووفقنا الله وإياكم لطاعته وجعلنا مباركين أينما كنا ودمتم بود ..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق