"خيراً إن شاء الله .. ، الخير فيما اختاره
الله .. اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه .. " وهلم جرا ..
عبارات رائعة يرددها معظمنا حال حصول ما لم
يتمناه ، أو ذهاب وضياع ما يريده أو تأخره .. لكنها للأسف تبقى قول لسان فقط ، والقليل منا من خرجت من قلبه ورافقته في كل حال وكل موقف ..
لذا نجد أكثرنا يصاب بحالة من اليأس والحزن
والاحباط ، بمجرد ما يبتلى بذهاب ما يحب ، أو تأخره ، فتجده يندب حظه السيئ- كما
يصفه – ويتشاءم من مستقبله ، ويردد : خير ! أين الخير فيما حصل ! ولو تأنى قليلاً
لعلم أن الخير كل الخير فيما حصل ..
حديثي اليوم يا رفاق ، محاولة لحل مشكلة ترديدنا للعبارات
الجميلة أعلاه ومع ذلك نمر بحالات اليأس والحزن والألم في بعض الأحيان ، واتمنى أن يوفقني الله وإياكم للوصول لحل لهذه
المشكلة ..
كلنا يعرف قصة ذلك الوزير الذي كلما أصاب الملك
شيئاً قال (لعله خير ) ، حتى أصيبت يد الملك يوماً وأضطر لقطع أحد أصابعه ، فما
كان من ذلك الوزير إلا أن ردد مقولته الشهيرة: ( لعله خير ) !، عندها غضب الملك
وأمر بحبس الوزير !، وخرج الملك في رحلة للصيد وللأسف وقع في يد جماعة تعبد الأصنام واخذوا الملك
ليتقربوا به لهذه الأصنام ولكنهم وجدوا أن أحد أصابع يده مقطوعه فتركوه ، عاد
الملك فرحاً بنجاته ، وأخرج الوزير وأخبره القصة
واعتذر له ، وقال : عندما قطعت
أصبعي قلت لعله خير فنجوتُ من الموت ،وعندما أمرت الحراس أن يحبسوك قلت: لعله خير
فما الخير في حبسك ؟ فرد الوزير الحكيم : ( لو كنت معك لقدموني قربانا بدلا منك )
..
هذه قصة رمزية تدعونا للتفاؤل وتوقع الخير دائماً، وفي القرآن
العظيم أحسن القصص وأصدقها ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ،قصص موسى عليه
السلام مع الخضر في سورة الكهف ، هذه السورة الكريمة التي نقرأها كل أسبوع ، وكذلك
قصة يوسف عليه السلام فإن فيها من العبر والدعوة إلى التفاؤل والأمل مهما حصل لك-
وحتما لم يحصل لك كما حصل ليوسف عليه السلام - ما الله به عليم ، وأحاديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كثيرة
في هذا الشأن ، منها قوله صلى الله
عليه وسلم في الصحيحين
: " والذي نفسي بيده ، لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له ، إن
أصابته سراء فشكر كان خيرا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ، وليس ذلك لأحد
غير المؤمن
" ، ولو
تذكر أحدنا ما مر به من المواقف التي حزن وتألم لذهابها كثيراً ومع مرور الوقت
اكتشف أن الخير كان في ذهابها أو تأخرها ،
لدمعت عيناه أسفاً على سوء ظنه بربه وقصر نظره ، كل هذه الأمور تجعلك تدرك أن ما اختاره الله
لك خيراً رضيت أم أبيت لكن عقولنا القاصرة لا تدرك ذلك ولا تريد أن تدرك مع الأسف
!
يقول ابن القيم رحمه الله: (لو كشف الله الغطاء لعبده، وأظهر له كيف يدبر الله له أموره، وكيف أن
الله أكثر حرصاً على مصلحة العبد من العبد نفسه، وأنه أرحم به من أمه، لذاب قلب العبد محبة لله ولتقطع
قلبه شكراً لله) .
لذا عود نفسك دائماً على حسن الظن بالله ، فالله تعالى اختارك من بين
ملايين الخلق لتكون مسلماً وهذه النعمة لا تعدلها نعمه ، وهو سبحانه لن يكتب لك
إلا ما هو خير لك ، وعود نفسك دائما أن لا تحصر الخير والسعادة في أمر أو شخص ما ،
فتبتلى به كما يقال ، وعود نفسك على الرضا وردد ضمن دعواتك التي تسأل الله إجابتها
هذا الدعاء (اللهم رضني بقضائك, و
بارك لي في قدرك, حتى لا أحب تعجيل ما أخرت, ولا تأخير ما عجلت) ..
أنا معك أن الانتظار مر ومؤلم
في أغلب الأحيان ، وذهاب ما نحب أشد ألماً ، لكن ما العمل إذاً ؟ هل نستسلم
للوساوس والأفكار السيئة التي تدعو لليأس
والقنوط من رحمة الله وهذا أمرٌ عظيم أعاذنا الله وإياكم منه ، أم نفعل أمر آخر
أعظم أجر وأكثر راحة لنفوسنا وطمأنينة لقلوبنا ،وذلك باستحضار قوله تعالى في سورة
البقرة {وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} عند حصول ما نكره وحتما ستتسرب الطمأنينة إلى أرواحنا حال
انتهاءنا من تلاوة هذه الآية ، وتشرق أنفسنا بأمل كبير بأن القادم أجمل بإذن الله
..
"وما أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرضاً... أُريدُ الخَيْرَ أَيُّهُما
يَلِينِي
أَأَلخَيْرُ الَّذِي أَنا أَبْتَغِيهِ ... أَم الشَّرُّ
الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي "
وفقنا الله وإياكم لطاعته ، ورزقنا صدق التوكل عليه وحسن الظن به ،
وجعلنا وإياكم مباركين أينما كنا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق