الجمعة، 28 مارس 2014

رسالة إلى المتكاسلين عن القراءة ..



 

"الكِتَابُ هُو الجَلِيسُ الذِي لايُطْريكَ والصَّديقُ الذي لايَقليك ، والرَّفيقُ الذي لايَمَلُّك ، والمُسْتَمِعُ الذي يَسْتَزيدك ، والجَارُ الذي لا يَسْتَبْطئُك . والصَّاحِبُ الذي لايُرِدُ إسْتِخْرَاجَ مَاعِنْدَكَ بالمَلَقِ، ولايُعَامِلُكَ بالمَكرِ ، ولايَخْدَعُكَ بالنّفَاقِ الجاحظ .

 

من لم ينعم بحب القراءة ، لن يشعر بصدق كلمات الجاحظ ، وكأني أراك أيها القارئ النهم تهز رأسك استحساناً  لمّا قرأت كلماته وتتمتم بعد كل عبارة بـ (صَدَق ) !

لن استخدم اسلوب التنظير معكم ولكن سأحدثكم عن تجربة وبأسلوب بسيط جداً ،وأول ما أود توضيحه لأحبتي المتكاسلين عن القراءة والذين يرونها شيئاً مثيراً للضجر والضيق أن القراءة  ليست شيئاً غريباً ولا شيئاً مزعجاً لا يفعله إلا غريبي الأطوار  والمعقدين ..!

 انظر إلى الناجحين حولك هل تعتقد أن أحداً منهم وصل إلى ما وصل إليه بعد توفيق الله بدون أن يقرأ ويزداد ثقافة وعلماً ..

أحدثك عن نفسي  إذا توقفت عن القراءة اشعر أنني لا أعرف كيف اتحدث ولا أناقش وأشعر أنني عبئاً على الحياة ، ولا استطيع فعل شيء ..!

صدقني ستكون أهدأ مما سبق ، ولن تقحم نفسك في أمور لا فائدة لك ولا لغيرك فيها وسينخفض صوتك أثناء الجدال وستسافر وأنت في مقعدك وبين أهلك إلى أماكن مختلفة وعصور قديمة وحديثة ، وسيرتقي فكرك وخلقك بعد توفيق الله، ستتغير حياتك للأفضل بإذن الله  ..

ستقول لي : إذا كانت هذه فائدة القراءة فماذا أقرأ ؟

أبد باهتماماتك بعد كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أبدأ بمختصرات التفاسير وكتب السنة ، ثم أبدأ بقراءة ما تميل له نفسك على حسب مجال الكتاب ، وحجمه وأسلوب المؤلف حتى تصبح القراءة جزء من حياتك وتشعر أن هناك صداقة بينكما بعدها أقرأ ما شئت لكن أسأل الخبراء فهناك كتب لا تستحق القراءة ، وكتب قد تؤثر لا قدر الله على عقيدتك وأخلاقك !! .. ومن ثمرات وسائل التواصل الاجتماعي ما خرج منها من حسابات تهتم بالكتب عن طريق تقييم الكتب ووضع الاقتباسات منها ويمكنك من  خلالها  سؤال صاحب الحساب عن جودة مادة الكتاب ومناسبتها لما تريد  وما المآخذ التي تؤخذ على الكتاب والأمور التي يجب التنبه لها عند قراءة الكتاب ..

هذه الطريقة قد تختلف من قارئ لآخر ، لكن خذها نصيحة مني أقرأ الكتب التي تخرج منها بزيادة في إيمانك وأخلاقك وثقافتك ، ولا تضيع وقتك وجهدك في قراءة كتب لا تستفيد منها بشيء ..

ختاماً ..

هناك مقولة رائعة تختصر فوائد وأهمية القراءة هي :

 "إذا أردت أن تسعد إنسانا فحبب إليه القراءة" ..

ملأ الله حياتكم بالسعادة ، وعمر أوقاتكم بطاعته ورضاه وجعلنا وإياكم مباركين أينما كنا ودمتم بود ..

 

 

 

 

الجمعة، 21 مارس 2014

شكوى ..!



 

النجاح في الحياة ليس بالأمر السهل ولكنه ليس صعباً للغاية ، أمرٌ يدركه الكثير ويجهله الكثير أيضاً ، وطريقه معروف لأكثر الناس ، والكثير يسلك الطريق الخاطئ.. !

طريق النجاح  يا صديقي ليس مفروشاً بالورود كما تعلم ، وليس ممهداً دائماً ، مليء بالعقبات محفوف بالمخاطر ، لذا تجد البعض وصفوا بعض الناجحين بالمجانين ، قد تتعرض فيه لامتحانات كثيرة ولا تكاد تنتهي من امتحان حتى تبدأ بامتحان آخر وكلها تصب في صالح قوتك وصلابتك لإكمال هذا  الطريق ولتزيدك إصراراً وكفاحاً ، فلا تخشى ما تمر به في ذلك الطريق ولا تشتكي كثيراً  فالناجحون كما يصمتون عن خططهم ولا يظهرونها لأحد كذلك لا يشكون للخلق فهم متوكلون على الله يشكون بثهم وحزنهم إليه  ..

لذا كن ناجحاً في علاقاتك، فالناس لا تحب من يكثر الشكوى والتذمر ، ويحبون من يدخل السرور عليهم ، قد تعترض وتقول : إنني أتقبل الناس حينما يشكون لي هموهم ومشكلاتهم وأحاول جاهداً أن أحلها ؟!، وسأرد عليك : نعم هم يثقون بك كشخص يساعدهم على حل مشكلاتهم لكن ليس كلهم يتمتع بما تتمتع به من صفات فلا تحزن حينما تقع في مشكلة ولا تجد أحد ممن ساعدتهم يواسيك ..

"الشكوى لغير الله مذلة "كما يُقال ، فاجعل شكواك له وأملك الكبير بقدرته العظيمة فمهما كبرت قدرة الخلق فقدرة الله أكبر وأعظم فلا تشكو لغيره ..

"قال الأحنف بن قيس : شكوت إلى عمي وجعاً في بطني فنهرني وقال : إذا نزل شيء فلا تشكه لأحد فإنما الناس رجلان صديق تسوءه وعدو تسره ، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه ، ولكن أشك لمن ابتلاك به فهو قادر على أن يفرج عنك ، يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها من أربعين سنة وما أطلعت على ذلك امرأتي ولا أحداً من أهلي ."

ويقول الدكتور مصطفى السباعي –رحمه الله – في كتابه هكذا علمتني الحياة :

" إذا اشتكيت إلى إنسان مرضك أو ضائقتك ، ثم لم يفعل من أجلك شيئاً إلا أن يقول : لاحول ولا قوة إلا بالله  ، فلا تشتكِ إليه مرة أخرى فلو كان أخاٌ حميماً لأرّقه ألمك ، ولو كان رجلاً شهماً لبادر إلى معونتك فوفر حظك من الشكوى لمن كان له حظ أكبر من المروءة ..

ويقول أيضاً :

الشكوى إلى غير أخ صادق أو مواسٍ كريم مهانة يستغلها عدو لئيم أو حاسد زنيم ولو استطعت ألاَّ تشكو إلا إلى الرحمن الرحيم كان أعظم لثوابك ومودة أصحابك .."

ختاماً يا صديقي إذا هممت بالشكوى لأحد تذكر هذا البيت ، وبإذن الله سيتغير رأيك !

وَإِذَا شَكَوتَ إلى ابنِ آدمَ إِنَّمَا *** تَشْكُو الرَّحِيمَ إلى الذي لا يَرْحَمُ.

 وردد قـول الله تـعـالـى عـلـى لـسـان نبـيه  يعقوب –عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام -: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ) ..

وفقنا الله وإياكم لطاعته ، ورزقنا صدق التوكل عليه وحسن الظن به ، وجعلنا مباركين أينما كنا ، ودمتم بود ..

 

 

الجمعة، 14 مارس 2014

ما عند الله لا يزول ..*


 

 

خلق من ماء مهين حقير، ثم أتى إلى هذه الدنيا بجسم ضعيفٍ صغير لا يستطيع دفع شر ولا جلب خير لنفسه ، ثم كبر واشتد عوده وفعل ما يحلو له من الخير والشر ثم عاد في نهاية المطاف إلى الضعف وقلة الحيلة .

هكذا أنت يا بن آدام ، هذه مراحل حياتك التي سوف تنتهي بك إلى الموت وقبر مظلم لا أنيس لك فيه إلا عملك الذي قدمت في  هذه  الزائلة .

فلماذ تغضب ، وتضيق ذرعاً عندما يجحد معروفك ، وينسى موقفك الجميل ، وتُذم من قِبل من قدمت له العون ، وتقابل بالسيئة عند إسداءك الحسنة وتظل تسأل نفسك : ما الذي فعلته حتى أجازى بكل هذا الظلم ؟!

لا تتعب نفسك في البحث عن إجابة لهذا السؤال ! ودعني أطرح عليك سؤالاً إذا سمحت : هل فعلت ما فعلت لوجه الله وطلب مرضاته أم لطلب المديح والسمعة الحسنة بين بني البشر ؟

فإن كان ما فعلته لأجل الناس فاعلم أنه زائل لا محالة ومجحود عند أول خلاف مع أصحاب القلوب ضعيفة الإيمان رفيقة الشيطان ، وستجده يوماً ما عند أصحاب القلوب المليئة بالإيمان ومحبة الرحمن ..

أما إن كان ما فعلته لوجه الله تبارك وتعالى فتيقن تمام اليقين أنه باقٍ مستثمر عند الواحد الأحد الذي لا يُضيع أجر من أحسن عملاً وسينالك الثواب الكبير والخير الوفير في  الدنيا والآخرة ، في الدنيا سوف يرد معروفك عاجلاً أم آجلاً محملاً بالثناء الحسن والدعاء الصادق وفي الآخرة جناتِ عدن تجري من تحتها الأنهار في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر .

فافرح ودع عنك الغضب والتذمر ، فما عند الكريم الودود باقٍ لا يزول ، ومن الآن فصاعداً اجعل أعمالك صغيرها وكبيرها لوجه الله تعالى ولن تغضب بعد  ذلك أبداً .. لك صادق دعائي ووافر أمنياتي بالسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة ..

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

·     نُشِرت المقالة في صحيفة الجزيرة عام 1430هـ / 2009م  .. أحببت إعادة نشرها لأنني رأيتها أفضل ما كتبت في هذا الموضوع ، نفعنا الله وإياكم بما قرأنا وكتبنا وتعلمنا ..

الجمعة، 7 مارس 2014

قائمة النِعَم ..


 

السعادة مطلب كل شخص ، وهدفه الذي يسعى جاهداً لنيله ، ولكن هيهات أن تستمر سعادة لشخص في هذه الدنيا !، فهي كما لا يخفى عليكم أحبتي, ليست دار كرامة ، لذا نمر بحالات الحزن والقلق والكآبة وهذه حال الدنيا متقلبة لا تستقر على حال وفي نظري أن من أهم  الأسباب في أحزاننا وكآبتنا  بعد البعد عن الله ، هو التفكير في ما نفتقده ونسيان  ما نمتلكه !

 نعم الله علينا تترا ، ظاهرةً وباطنة ، تحفنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ولكن للأسف كأننا لا نراها ،  ولا نأبه بها – إلا من رحم ربي - وننظر للغير وما يمتلك ونغض الطرف عن نعمنا التي قد يغبطنا عليها الطرف الآخر ..!

لماذا لا نوقف هذا الاستنزاف لطاقتنا وصحتنا وإنسانيتنا ورضانا بما كتبه الله لنا قبل كل ذلك  .. كثير من خبراء التنمية البشرية يطالبون  بإعداد قائمة بالنعم التي يمتلكها  الشخص ليدرك حجم السعادة التي تغمره وهو لا يدري ..

وفي صدد الحديث عن النعم ، لابن القيم رحمه الله وقفة جميلة مع أنواع النعم في كتابه الرائع جداً ( الفوائد ) يقول رحمه الله :

" النعم ثلاثة : نعمة حاصلة ، يعلم بها العبد ، ونعمةٌ منتظرة يرجوها ، ونعمة هو فيها لا يشعر بها .

فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده ، عرفّه نعمته الحاضرة ، وأعطاه من شكره قيداً يقيدها به حتى لا تشرد ، فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر . ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة وبصّره بالطرق التي تسدها وتقطع طريقها ووفقه لاجتنابها .

وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه ، وعرّفه النعم  التي هو فيها ولا يشعر بها ..

ويحكى أن أعرابياً دخل على الرشيد ، فقال : أمير المؤمنين ، ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها ، وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته ، وعرفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها . فأعجبه ذلك منه وقال : ما أحسن تقسيمه ."

لقد اختصر عليك ابن القيم رحمه الله الكثير من الوقت في رحلة بحثك عن السعادة ، وإذا وفقك الباري لتطبيق ما ذكره  ، مع امتلاء قلبك محبة لله ، وحسن ظن به  ورضا بما كتب نلت راحة وحياة طيبة في هذه الدنيا  ودرجات عالية في الآخرة بإذن الله وبفضله ورحمته ..

وفقنا الله وإياكم لشكر نعمته ورزقنا صدق التوكل عليه وحسن الظن به وجعلنا مباركين أينما كنا ، ودمتم بود .